أصبحت التهاني فيما بيننا من بلاستيك, والمعايدات التي نطلقها من هواء, والمجاملات نفاق ثقيل جدا, كلام بلا معنى أو روح, بلا مضم ون
أو هدف, مجرد لغة أو تقليد أو عادة, لقد فقدنا الثقة في كل شيء, فقدنا الأمان والسكينة, فان سكت الضجيج من حولنا اشتعل في الرأس
صراخ لا يحتمل, يفوق بصخبه هدير الطائرات الحربية وصوت القنابل والصواريخ, لقد فقدنا العمر مع من فقدنا من الأهل والاحبة, نحن
نتاج الحرب, نحن الأحياء الأموات مع وقف التنفيذ, فمن مات أحبابه وراح ماله وعمره يموت كل يوم اكثر من مرة , ولست أحاول تزوير
الواقع, أو طلاء الحقيقة بطبقة سميكة من الخداع المزور, تضلل الناظر الينا من حولنا وتوهمه أننا بخير, كما إنني لست برجل من خشب,
أو من اللا فلزات غير الموصله للحرارة, وانا ايضا لست سريع النسيان, او سمكيّ الذاكرة, فأنا طبيعي جدا, احزن جدا عندما يقتضي الحال
الحزن, وافرح جدا اذا ما اقتضت الضرورة ذلك, فغدتاي النخامية والدرقية نشطة, وهرمونات التفاعل لدي يقظة, لم اكن ابدا أسطوري الخلقة
او خرافي الخليقة, ولا أسعى ابدأ لإظهار ما لا ابطن…. لقد هاجمنا الحزن بكل وقاحة, وباغتنا القهر في وضح النهار, ليس تسللا او
خلسة او في جنح الظلام كما العادة, كان ما تعرضنا له من إذلال وموت وإبادة على رؤوس الأشهاد, وعلى مرأى ومسمع هذا العالم القذر
بأسره, ولم يفعلوا لنا شيئا, لم يحركوا لنا ساكن, كم كانت دماؤنا رخيصة, كم كان حجم الخذلا ن في قلوبنا هائل, أكبرهم قاطع الكنتاكي ولم
يشرب الكوكاكولا, وآخرون ساروا في الطرقات يرقصون ويهتفون, وفي أيديهم طعام شهي وشراب بارد, أجساد الشهداء تحللت في الشوارع
بعشرات الآلاف, بعد انتفاخها وتعفنها, والعالم لا يشرب البيبسي لينهار الكيان, نساء حرائر طاه ا رت عفيفات قد جرى اغتصابهن, وأخريات
قد داست على أجسادهن الدبابات وهن احياء, واطفال احرقوا في غرف نومهم وقد سُحقت اجسادهم الطرية تحت ملايين الاطنان من
الاسمنت المسلح, سُمع ص ا رخهم لأيام وهم يستنجدون البشرية ان يخرجهم احد, حتى ماتوا, والعالم لا يأكل البورجار من ماكدونالدز ليعاقِب
الاحتلال !!!! كنا نسمع عن مجاعات الساحل الافريقي ومالي والصومال ولم نتخيل يوما ان الامر بهذه الفظاعة, لقد عشنا في غزة ما هو
اسوء, فقد مات الناس من الجوع والعطش, بعد اكلهم لأعلاف الحيوانات وما تيسر لديهم من اعشاب الارض, ولم يتمكن احد من إدخال ما
قد ينقذهم من طعام, اي سخافة هذه؟ اي مسخرة هذه؟ اي هراء تافه وحقير هذا ؟؟؟ اي حسابات خرائية قذرة ومعوقة كان من يقودنا
يجريها؟؟؟ لقد كان ولا يزال رد الفعل العالمي تجاهنا مقززا … ولا يزال الحمقى والأغبياء فينا يتأملون في العالم خيرا …. وهذا ما يزيد قهرنا
وسخطنا ….. كم تبادلنا التهاني فيما بيننا فيما مضى, كم تبادلنا الدعاء بالسلامة والعافية ومستقبل مشرق وحياة جميلة ولب لب لب لااااا, للاسف نهشت
جثثنا المتعفنة كلاب الشوارع والقطط الضالة والجرذان دون رحمة, فالأليف علينا اصبح مفترس, وآكلات الاعشاب كالد واجن والطيور
اصبحت فوق جثثنا آكلات لحوم شرسة,,, اي جريمة قد ارتكبناها لنجازى هكذا جزاء؟؟, هل هكذا نكافؤ على ثباتنا فوق ارضنا وصبرنا على
ضيق الحال ورفضنا كل الفرص بالهجرة وترك فلسطين ؟ كما قال من هاجر “للأرض رب يحميها, واكثر من مليار ونصف ذو علاقة”….وان
كنا قد اقترفنا ذنبا يعادل هذه المقتلة المؤلمة بهذه السادية وهذا الإجرام, فما هو ذنب الاطفال منا والنساء الحوامل وكبار السن وذوي
الإعاقة؟؟ ان نسحق بهذا الشكل السافل والمنحط امر لا يقبله عقل ولا يراه منطق, كم صلينا وكم دعونا الله ان يموت الاعداء بددا وان لا
يغادر منهم احدا وان يحصيهم عددا, وما كان الا العكس, نحن من مات, وبأبشع الصور, التي لم يشهدها التاريخ, ونحن من تعرضنا لكل
اشكال الظلم والذل والهوان, فاين صلاتنا وليالي القدر وصيام رمضانات وصدقات وزكاة وعبادات عديدة ؟؟؟ الا يدعونا ذلك للتأمل والتفكير,
اين الخلل ؟ اين العلة؟ اين نصر الله ؟؟؟ هل الدعاء والعبادة والتقوى وإعفاء اللحية وحف الشارب وتقصير الثوب ورفع الإصبع في الجلوس
بعد السجود الأخير يكفي للعيش بكرامة والانتصار على الاعداء؟ ام ان التربية والتعليم وبناء الإنسان بشكل حقيقي على مفاهيم التسامح
مع الآخر والإخلاص في العمل بعد إتقانه والجد والاجتهاد والمثابرة والصدق والأمانة وحب الخير للناس اهم وافضل؟؟؟ هل الإيمان بالغيبيات
وانتظار حدوث معج ا زت يضمن النصر؟ ام ان المكر والدهاء والحكمة والتأني ضرورة حتمية وبيت قصيد لا يمكن تركه في هذه الدنيا
لتحقيق النجاح؟, هل الاعتماد على الدين فقط يكفي لضمان سلامة المجتمع ؟ ام ان الدين بحاجة الى تفكير وتخطيط وتدقيق وصبر وتروي
قبل اتخاذ القرارات وخصوصا المصيرية منها؟ هل جلب المنافع ان كان في الامر منفعة مؤكدة مقدم, ام درأ المفاسد الحتمية اولى ؟؟ هل
النصر يخضع لموازين القوة والعدد والعدة وبالتالي نحن بحاجة الى الإعداد الجيد والمعقول؟ وان لم يتوفر الإعداد الجيد في وجه ما لدى
الأعداء من إمكانات, فبقاء الحال مؤقتا على ما نحن فيه افضل وأولى؟؟ هل الأرض اهم ام العرض؟ هل الوطن اغلى ام الانسان؟ هل الله
خلقنا ثم طلب منا الموت من أجله وان نعطيه من دمائنا حتى يرضى ويقبلنا في الجنة ؟ ام ان الحفاظ على الحياة فرض عين أوجب وأهم؟
من اكبر قيمة؟ الانسان بنيان الرب ام القدس والاقصى والكعبة والمسجد النبوي والدنيا بأكملها ؟؟ هل الوطن جبال واشجار وتربة وسواحل,
ام الناس والمجتمع بما لديهم من ثقافة وقيم ومبادئ ؟؟ ما حصل لنا في غزة بحاجة الى اعادة النظر في كل طريقة تفكيرنا واسلوب حياتنا
وشكل وطبيعة تحالفاتنا وعلاقاتنا ….. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم …. وكما جرت العادة… كل عام وانتم بخير …. الدكتور/ أحمد هشام حلس …..

Comments are disabled.