عندما تحكمنا العواطف والسياسة والجهل!!! بعيدًا عن العلم والمنطق… علميًا وبعيدًا عن العواطف…
حرق الفحم وإحراق الخشب بشكل عام ينتج العديد من المواد السامة الخطرة والمسرطنة كأكاسيد الكبريت وأكاسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين ومركبات هيدروكربونية ومواد عطرية كيميائية أخرى، إضافة إلى كمية هائلة من العوالق الطيارة (Aerosols) التي تعتبر جزءًا أساسيًا من مكونات الأشجار وخصوصًا أشجار الحمضيات التي يصنع منها الفحم. تلك المواد والمركبات تطير بما تحمله من مركبات كيميائية إلى ارتفاعات عالية بسبب وزنها الخفيف وتنتقل عبر الرياح إلى مسافات أيضًا بعيدة في كافة الاتجاهات تبعًا لاتجاه الريح، وتتحول مع الرطوبة في كثير من الأحيان إلى أحماض أو قد تتفاعل مع مركبات أخرى في الهواء الجوي كعوادم السيارات إلى مركبات أخرى أكثر سمية فيما يعرف علميًا بالأثر الترافقي (Synergistic effect).
إن استنشاق هذه الغازات السامة بشكل مستمر ودائم ومركز، ووصول تلك المركبات إلى أعماق الرئة، يؤثر بشكل حقيقي على صحة الناس وخصوصًا الفئات الأكثر هشاشة كالطفل وكبار السن ومرضى الجهاز التنفسي وذوي المشكلات الصدرية. ثم نتحدث عن 16 ألف حالة سرطان في غزة، وعن آلاف الحالات من الربو والتهاب الشعب الهوائية ومشكلات الجهاز التنفسي. الحديث يا عزيزي لا يدور حول كيلو من اللحم سيتم طهوه لمرة واحدة على القليل من الفحم في نزهة عابرة على شاطئ البحر، أنت تتحدث عن مطعم يعمل بشكل مركز ومستمر وسط منازل السكان ويعرض أفراد الأسر المجاورة للدخان بشكل دائم ومكثف طوال الليل والنهار، وعلى مدار الأسبوع وطوال العام ليحول حياتهم فعليًا إلى جحيم. جحيم بالمعنى الحرفي للكلمة. فلا يتذوقون طعامًا سوى المشاوي، ولا يتنفسون هواءً سوى المشاوي، ولا يشمون روائح وعطورًا سوى المشاوي على مدار الساعة، أو أنهم مضطرون دائمًا إلى غلق نوافذ منازلهم ليحترقوا بحرارة الصيف العالية. لقد كنت على الدوام مرارًا وتكرارًا إذا ما مررت بجوار إحدى تلك المطاعم الكبيرة، أقف مذهولًا متعجبًا لحالها وأنا أفكر في واقع الجيران الذين يعيشون وسط هذا الحريق الهائل طوال الوقت، كيف هي حياتهم؟؟!!!
في كتاب “هاوورد فرومكين” الأمريكي، وهو المرجع العالمي الأكبر في مجال صحة البيئة، يوجد كم هائل من الحقائق العلمية التي أثبتها علماء ومختصون من شتى أنحاء العالم تتحدث عن سمية وخطورة إحراق الحطب والفحم وتأثيره على صحة الإنسان. ومن يحتاج لمراجعتها فأنا على أتم الاستعداد لتزويده بها كافة وبالكتاب ذاته:
Environmental Health_ From Global to Local, Public Health_Environmental Health, Howard Frumkin (editor) – Jossey-Bass (2016).
بالتأكيد قضية الأخ الحبيب عاهد الشوا قضية محزنة جدًا وأنا متعاطف معه بكل موضوعية، ولكن لا يمكن تقديم المصلحة الخاصة على مصلحة العامة، ولا يمكن قبول التكسب والتربح الفردي على حساب معاناة وآلام وأوجاع أطفال ونساء وكبار ومرضى الجيران كافة. ورسالتي ليست لعاهد فقط، إنما هي لكل أصحاب المطاعم والمناجر والورش والكراجات والمخارط والمحادد والمنشآت الصناعية التي تصدر تلوثًا بأي صورة كانت: تلوث هوائي أو ضوضائي أو مائي أو في التربة أو حتى التلوث البصري. إن البركة في الرزق ترتبط بشكل مباشر بمدى احترامنا لحقوق الآخرين ومراعاة احتياجاتهم المشروعة، عملًا بالقاعدة الشرعية التي تقول: “درء المفاسد أولى من جلب المنافع”، فماذا نقول إن كانت المنفعة خاصة أو محدودة والمفسدة عامة….
أتمنى أن لا يفهم أحد كلامي خطأ وأن تصل رسالتي إلى كل من له علاقة، وأن تعمل الجهات الرسمية على إيجاد بدائل لائقة وكافية لأصحاب المصالح المراد إغلاقها بسبب الضرر الناجم عنها.