أشكال الناس تغيرت وتبدلت جراء الحرب في غزة, تمر بالأصدقاء في الشوارع فلا تعرفهم إلا إذا أمعنت النظر, أو إذا بادلك صديقك بنفس الشك أو التحديق أو الحملقة, لقد كبرنا سنوات وسنوات من هول ما رأينا ولا نزال, تساقط الشعر واشتعل الرأس بياضا, وجلد الوجه قد امتلأ بالتجاعيد, ولست أدري إن حصل ذلك من شدة الفزع والخوف والهلع والإرهاق, أم هو حق السن في التقدم, أرى الأصدقاء في الشوارع أصبحوا آخرين, ليسوا كما تركتهم قبل الحرب, قبل ستة اشهر فقط, بل إنهن ست سنوات بحق, الوجوه شاحبة هرمة يكسوها الحزن والخوف, والأجساد نحيلة وهزيلة من شدة التعب مع سوء التغذية وقلة الطعام أو حتى نطوف النفس عن تناوله هذا إن وجد, ترى الناس في شوارع غزة كأنهم سكارى وما هم بسكارى ولكن أهوال الحرب عظيمة وقاسية… عندما أمشي في شوارع ما تبقى لنا من القطاع, أصادف من تبقى لنا من الأصدقاء, بعد إرتقاء العديد منهم شهداء, كانوا إرثا عظيما عكفت على بنائه طوال حياتي, المحزن في الأمر أنني بالكاد استطيع التعرف عليهم, وقد تغيرت ملامحهم, البعض منهم كانوا ذوي شأن عالٍ فيما مضى, كان لهم من الحياة الدنيا نصيب في العز والمكانة, كأن تقول عنهم بلغة العامة “أولاد ناس”, واليوم تراهم بالشباشب المهترئة في الطرقات يجرون أجسادهم جرا, وتكسوهم ملابس بالية عليها الكثير من البقع, ورائحتهم قوية نافذة من قلة الماء او غياب الغسل, والشعر طويل مليء بالغبار والأتربة, إنها الحرب يا قوم, لقد فعلت فينا الأفاعيل, وأخذت منا الكثير الكثير, البعض منهم كان اذا ما التقينا في الشارع بكينا كلانا ونحن في عناق صامت حزين, لست ادري لماذا نبكي عندما نلقى الاحبة, أتعز علينا انفسنا, أم أنها فرحة رؤية أشياء تذكرنا بالماضي الجميل المحترق, أم انه الحزن العميق على ما فات, ذلك الحزن الذي لا يحق لاحد أن يراه غير الاحبة, انها مشاعر متضاربة تعكس جرحا غائرا قد حصل, وتخرج بكل قوة في حضرة الأصدقاء بلا استئذان, ستة أشهر من الموت والخوف والإجهاد الهائل, الجميع عانى ولا يزال يكابد من واحدة او اكثر من نتائج الحرب, فقد الاحبة او الإصابة او الرحيل والهرب من الموت, او خسارة المال والجوع والفقر او الذل والإهانة او غيرها الكثير من تفاصيل الحرب التي لا يراها من هو خارج غزة, ولن يفهمها مهما شرحناها له, بعض الأصدقاء اذا رآك تلوح في الأفق من بعيد, غير طريقه حتى لا تراه, وهو في هذا الحال البائس, والبعض الآخر اكثر جرأة, فاذا ما قابلك في الشارع فورا أخذك في دوامة الكلام الغاضب والساخط على ما حل بنا, وكأنه يسوق لك المبررات لما حل به, لعله يستأنس بما ستقول, وتشاركه الهموم, فيشعر بالراحة, وكعادتي فورا ارفع كل الكلفة بيننا لنصبح في الهم سواء…. ماذا عساي أن أقول ونحن نشاهد الموت من حولنا كل لحظة, والقذائف لا تتوقف عن السقوط, ومن تراهم يموتون, لا تجد لموتهم أي سبب او مبرر…

أعان الله الناس على ما هم فيه, وعجل لنا بالخلاص من ما نحن فيه

وحسبنا الله ونعم الوكيل

Comments are disabled.